انا وعمان والنساء- نزار قباني


سلامٌ مِني لًكِ يا عَمان

وسلامٌ إى كُلِ النِساء

سَلامٌ إلىْ مَنْ أحبَبتُها حتىْ المَوتِ

وإلى مَنْ عَشِقتُهنَ حَتىْ الإزدراء

فأنا مَنْ باعَ الهَوىْ لِلسائلاتِ

عَنْ حُبٍ ما عَرِفتهُ السماءُ

وَعنْ مَدينةٍ إسمُها عمان





كانتْ مَنبعَ الحُبِ والضياء

أما أنا يا سادتي فكُنتُ عُصفوراً

يَرقُصُ مَعيْ اللَحنُ والغِناءُ

أعزِفُ أجملَ سِيمفونية حُبٍ

تَهتزُ لَها النُفوسُ والأهواءُ

وَالحُزنُ قدْ أتانيْ علىْ غَفلةٍ

فتَحوَلَ الشِعرُ وتَحولَتْ الأشياءُ













فلا نِسرينُ تَردُ على نِدائي

وَلا رَبابٌ وَلا آلاءُ

إني أنا العاشقُ الباكي لِلوَطنِ

فأينَ الوَطنُ إنْ بَعثرَتهُ الأشياءُ










أتَعلَمينَ يا سَيدتي يا عَمان

كَيفَ هُو حالي؟

بَعدَ أن هُدِمَ البِناءُ

وكيفَ أشعُرُ بالضَياعِ فِيْ زَمني

بَعدَ أنْ أعياني البُكاءُ

فًمَنْ مَاتَ لأجلِ عمان شَهيدٌ

وَمَنْ كَتبَ لَكِ الشِعرَ؟

يَشعُُرُ بِحُزنِهِ البُسطاءُ












عَمانُ يا طِفلةً تَرقُصُ بَينَ الوُرودِ

وَيا زَهرةً تَلوحُ لَها الأجواءُ

كَأسُ الأسىْ ما أنساني حُزنيْ

فالحُبُ خَمرةٌ والشِعرُ أنواءُ

فالنساء لَوْ عَرفنَ مَنْ أنتِ؟









إنْ ضَحكتِ غارَتْ مِنكِ السَماءُ

فَالنَهدُ أقسمَ ألا يَبتسمْ

والهوىْ قتلتهُ العَواصِفُ الهَوجاءُ

فلا تُناديْ عَلينا يا عَمانُ

لَقدْ مَاتتْ المُروءاتُ فِينا

وَبَقتْ على الأرضْ نِساءُ
نحنُ مَنْ رَفضنا عَمانَ قصيدةً

وَرَفضنا الشِعرَ حَتى لوْ كانَ

دُمية ليسَ لها مُستقبلٌ أو أهواءُ

وَنَرفضُ الشِعرَ بَهلواناً

يَتسَلىْ لِضَحكِهِ الأمراءُ

فَلَكمْ مِنْ نَهدٍ في ساحَةِ الشِعرِ قَتيلُ

بسَكاكينِ غَدرٍ لا تِعرفُ إلا البَغاءُ

وَالشِعرُ مَاذا سَيظلُ مِنْ عَراقتِهِ

إذا قادَهُ النِفاقُ والأغبياءُ

لا تَحزَنيْ يا عَمانُ

فقدْ أصابَنا الكُرهُ

وَقلَ فِينا الفَرحُ

حَتى ماتَ فِينا الحَياءُ

مَنْ إستشهَدوا فقدْ إستشهَدوا

وَمنْ عاشوا

أينَ هُمُ الأحياءُ؟

هَلْ لا زالَتْ فِينا كَراماتُ قُريشٍ؟

أمْ أننا ما زِلنا بُخلاءُ؟

وَهلْ ينسَىْ النهدُ نَقشَ أحرُفي
أمْ أنَ آذانُهُ صَماءُ؟

إني أشكو إليكِ حُزني يا عَمانُ

فكَيفَ أشكُوْ وَفيْ فمِيْ مَاءُ

أجمَلُ قِصصيْ مَعِ النِساءِ جَميلة

وأحلاهُنَ يَملؤها الإغراءُ

أما بَصمَة شِعريْ فهيَ علىْ كُلِ شَفة

كَستنائِيةَ كانَتْ أمْ حَمراءُ

فالنهدُ يا سادتيْ يَعشُقُ شِعريْ

وَشِعريْ تَخيطُهُ الأحزانُ السَوداءُ

يا أيُها العَروسُ لا تبكِيْ

فبَعضُ الحُزنِ لا يَكفِيهِ البُكاءُ

قُتِلَتْ لأجلِكِ كُلَ زَهرةً

وَناحَتْ عليكِ جَرشٌ والبَتراءُ

في الشَمالِ أتوكِ جاثِمينَ

بِحُزنِ فَجرَتهُ الدِماءُ

وَالقدسُ لا زَالَتْ باكيةً

يَتسَلىْ لِبُكائِها الأعداءُ

وَالنِيلُ أعلَنَ حِدادَهُ في كُلِ رافِدٍ

حَتى الروافِدُ كُلُها إزدِراءُ

يا عمان قدْ مَلِلتُ مِنُ الحُزنِ

كَما يَملُ الجَسدُ والرِداءُ

يا عَمان قدْ فاضَ دَمعيْ نهراً

أليسَ النهرُ فيْ الصَحراءِ إحياءُ؟

بَكينا وَبكينا عليكِ يا عَمانُ

وَلَكمْ بَكتْ على النِفطِ صَحراءُ

إعذرونيْ يا أصدِقائيْ

أنتُمْ أصدِقائيْ فيْ كُلِ مَكانٍ

فَقدْ قلَ في زَمانِنا الأصدِقاءُ

سامِحُونيْ إنْ حَكيتُ ما لا يُحكى

وإنْ بكيتُ مَعْ مَنْ بكى

فالقصيدةُ عمانُ والنساءُ

وَلا تَعذِلونيْ عَلىْ كَلاميْ

فَقدْ غَلبَنيْ الهَوىْ

وَكمْ هُوَ غَلابُ الهَواءُ

شِعريْ لِلنِساءِ وَالعِشقِ

وَلا أهتَمُ لِلنُقادِ والأدباءُ



لأنَ المَرأةَ هيَ أصلُ الحَياةِ

وَلَولاهُنَ ما سَكنَ فِينا الحَياءُ

إني أعترِفُ لَكمُ أنَ شِعريء شَيطانيٌ

فِيْ زَمنٍ قَلَ فِيهِ الشُعراءُ

وَقصائِديْ ما كانَتْ كاذبةَ

لأنَ الكَذبَ نِهايَتهُ الإستِياءُ

شِعريْ لِوَطنيْ وَالنِساءِ والعِشقِ

وَلَستُ أباليْ رَفضتَهُ أمْ بارَكتهُ السَماءُ














No comments:

Post a Comment